responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 17
مُمْكِنَةٍ وَتِلْكَ الشُّبْهَةُ أَنْ قَالُوا إِنَّ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ قَدْ يَكُونُ أَبُوهُ كَافِرًا وَالرَّجُلُ الْكَافِرُ قَدْ يَكُونُ أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ مُسْلِمًا، وَحُصُولُ الْمُقَاطَعَةِ التَّامَّةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَأَبِيهِ وَأَخِيهِ كَالْمُتَعَذَّرِ الْمُمْتَنِعِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَتْ تِلْكَ الْبَرَاءَةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا، كَالشَّاقِّ الْمُمْتَنِعِ الْمُتَعَذَّرِ، فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ لِيُزِيلَ هَذِهِ الشُّبْهَةَ. وَنَقَلَ الْوَاحِدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا أُمِرَ الْمُؤْمِنُونَ بِالْهِجْرَةِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ فَمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ إِيمَانَهُ حَتَّى يُجَانِبَ الْآبَاءَ وَالْأَقَارِبَ إِنْ كَانُوا كُفَّارًا، قَالَ الْمُصَنِّفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَذَا مُشْكِلٌ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ حَمْلُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ؟ وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّبَرِّي عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَبَالَغَ فِي إِيجَابِهِ، قَالُوا كَيْفَ تُمْكِنُ هَذِهِ الْمُقَاطَعَةُ التَّامَّةُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَأَخِيهِ، فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّ الِانْقِطَاعَ عَنِ الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَانِ وَاجِبٌ بِسَبَبِ الْكُفْرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَالِاسْتِحْبَابُ طَلَبُ الْمَحَبَّةِ يُقَالُ: اسْتَحَبَّ لَهُ، بِمَعْنَى أَحَبَّهُ، كَأَنَّهُ طَلَبَ مَحَبَّتَهُ. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ نَهَى عَنْ مُخَالَطَتِهِمْ، وَكَانَ لَفْظُ النَّهْيِ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَهْيَ تَنْزِيهٍ وَأَنْ يَكُونَ نَهْيَ تَحْرِيمٍ، ذَكَرَ مَا يُزِيلُ الشُّبْهَةَ فَقَالَ: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ مُشْرِكًا مِثْلَهُمْ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِشِرْكِهِمْ، وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ، كَمَا أَنَّ الرِّضَا بِالْفِسْقِ فِسْقٌ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا النَّهْيُ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَتَبَرَّأَ الْمَرْءُ مِنْ أَبِيهِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِ الْكَافِرِ وَمِنِ اسْتِعْمَالِهِ فِي أعماله.

[سورة التوبة (9) : آية 24]
قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (24)
اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ هِيَ تَقْرِيرُ الْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُمْكِنُ الْبَرَاءَةُ مِنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ؟ وَإِنَّ هَذِهِ الْبَرَاءَةَ تُوجِبُ انْقِطَاعَنَا عَنْ آبَائِنَا وَإِخْوَانِنَا وَعَشِيرَتِنَا وَذَهَابَ تِجَارَتِنَا، وَهَلَاكَ أَمْوَالِنَا وَخَرَابَ دِيَارِنَا، وَإِبْقَاءَنَا ضَائِعِينَ فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ يَجِبُ تَحَمُّلُ جَمِيعِ هَذِهِ الْمَضَارِّ الدُّنْيَوِيَّةِ لِيَبْقَى الدِّينُ سَلِيمًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ إِنْ كَانَتْ رِعَايَةُ هَذِهِ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ عِنْدَكُمْ أَوْلَى مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَمِنَ الْمُجَاهَدَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَتَرَبَّصُوا بِمَا تُحِبُّونَ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، أَيْ بِعُقُوبَةٍ عَاجِلَةٍ أَوْ آجِلَةٍ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْوَعِيدُ.
ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ أَيِ الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَتِهِ إِلَى مَعْصِيَتِهِ وَهَذَا أَيْضًا تَهْدِيدٌ، وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ مَصْلَحَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مَصَالِحِ الدِّينِ وَبَيْنَ جَمِيعِ مُهِمَّاتِ الدُّنْيَا، وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِ تَرْجِيحُ الدِّينِ عَلَى الدُّنْيَا. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَوْلُهُ: وَعَشِيرَتُكُمْ عَشِيرَةُ الرَّجُلِ أَهْلُهُ الْأَدْنَوْنَ، وَهُمُ الَّذِينَ يُعَاشِرُونَهُ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَعَشِيرَاتُكُمْ بِالْجَمْعِ وَالْبَاقُونَ عَلَى الْوَاحِدِ. أَمَّا مَنْ قَرَأَ بِالْجَمْعِ، فَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُخَاطَبِينَ لَهُ عشيرة، فإذا جمعت قلت: عشيراتكم. ومن أفراد قَالَ الْعَشِيرَةُ وَاقِعَةٌ عَلَى الْجَمْعِ وَاسْتَغْنَى عَنْ جَمْعِهَا، وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّ الْأَخْفَشَ قَالَ: لَا تَكَادُ الْعَرَبُ تَجْمَعُ عَشِيرَةً عَلَى عَشِيرَاتٍ إِنَّمَا يَجْمَعُونَهَا عَلَى عَشَائِرَ، وَقَوْلُهُ: وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها الِاقْتِرَافُ الِاكْتِسَابُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الْأُمُورَ الدَّاعِيَةَ إِلَى مُخَالَطَةِ الْكُفَّارِ، وَهِيَ أُمُورٌ أَرْبَعَةٌ: أَوَّلُهَا: مُخَالَطَةُ الْأَقَارِبِ، وَذَكَرَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 17
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست